سورة النمل - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53)} [النّمل: 27/ 45- 53].
هذه الآيات على جهة التشبيه أو التمثيل بالأمثال الغابرة لقريش، مفادها: وتالله لقد بعثنا إلى قبيلة ثمود العربية في ديار الحجر أخاهم في النّسب والقبيلة بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له، فانقسموا فريقين متخاصمين: فريق مؤمن مصدّق برسالته، وفريق مكذّب بما جاء به من عند ربّه.
فقال صالح عليه السّلام: يا قومي، لم تتعجّلون نزول العذاب قبل أن تطلبوا من الله رحمته أو ثوابه إن عملتم بما دعوتكم إليه وآمنتم به. هلا تطلبون من الله المغفرة، وتتوبون إليه من كفركم، لكي يرحمكم ربّكم، لأنه إذا نزل العذاب لم تنفعكم التوبة.
فأجابه قومه قبيلة ثمود بغلظة وشدّة: لقد تشاءمنا منك وممن آمن معك، ولم نر خيرا فيكم أو من جهتكم، قال صالح عليه السّلام: شؤمكم وتفاؤلكم من شرّ أو خير هو من قدر الله أتاكم به، وهو مكتوب عند الله، والله يجازيكم على ذلك، فهو إن شاء رزقكم، وإن شاء حرمكم، وهو مقدر مكتوب عند الله، ويجازيكم الله على ذلك، بل إنكم قوم تختبرون بالطاعة والمعصية، حين أرسلني الله إليكم.
أما طغاة ثمود ورؤوسهم وفساد مدينتهم، فكان في مدينة ثمود تسعة نفر، تغالوا في الفساد الذي لا صلاح فيه، دعوا قومهم إلى الضلال والكفر وتكذيب صالح، وتواطؤوا على عقر الناقة وعلى قتل صالح ومن آمن به.
فقال بعضهم لبعض: احلفوا أو أقسموا أننا لنباغتنّه وأهله الذين آمنوا معه ليلا، فنقتلنّهم، ثم نقول لأوليائه وأقاربه في الدّم أو القصاص: ما حضرنا مهلكهم أو هلاكهم، ولا ندري من قتلهم، وإنا لصادقون في قولنا، بأننا لم نحضر هلاك أحد الفريقين: صالح وأهله، وإن فعلوا الأمرين معا. ولكن الله أحبط مؤامرتهم وجعل الدائرة عليهم، فإنهم دبّروا مؤامرة، أي مكيدة وخديعة، ولكن الله مكر بهم، أي جازاهم وعاقبهم وأهلكهم، فانظر أيها الرسول وكل منصف كيف كان مصير تآمرهم: أنا أهلكناهم وقومهم جميعا. وقد سمى الله تعالى عقوبتهم باسم ذنبهم وهو مكرهم على سبيل المشاكلة أو المشابهة لفعلهم.
وكان من آثار تعذيبهم أن أصبحت مساكنهم خالية بسبب ظلمهم أنفسهم، إن في هذا العقاب الدنيوي المدمر لعبرة وعظة لأناس أهل معرفة وعلم، يعلمون سنّة الله في خلقه، وبأن النتائج مترتبة على الأسباب. إن تخريب بيوتهم الذي أخبر الله به: هو قانون كل الشرائع أن الله إنما يعاقب الظلمة. جاء في التوراة: «ابن آدم، لا تظلم، يخرّب بيتك».
وفي مقابل إهلاك الظالمين للعبرة، نجى الله من العذاب صالحا عليه السّلام ومن آمن به، حين ساروا إلى بلاد الشام، ونزلوا بالرملة في فلسطين، لأن الإيمان واتّقاء عذاب الله بطاعته سبب النّجاة والمعافاة في الدنيا والآخرة.
إن في إيراد هذه القصة تذكيرا لقريش والعرب الوثنيين بأنهم إن استمرّوا في كفرهم وعنادهم، تعرّضوا للعذاب، كما عذّب أمثالهم.
دعوة لوط عليه السّلام:
لقد تورّط بعض الناس المنحرفين بألوان من الشّذوذ والضّلال والبعد عن الفطرة الإنسانية السّوية، وكانوا في شذوذهم هذا مثل سوء، وعنوان تدمير وخراب لأنفسهم ولغيرهم ومجتمعهم، فاستحقّوا العقاب الأليم الاستئصالي، لعل غيرهم ممن جاء بعدهم يتّعظ ويعتبر، ويحذر ويتأمّل، ويعود إلى البصيرة، والاستقامة، فلا يتلوّث بما وقع به غيره، من انحراف وسقوط في قيعان المنكر، وهؤلاء قوم لوط، اقترفوا الفواحش، وانغمسوا في المعاصي الكبيرة والمنكرات الفظيعة، فسخط الله عليهم وعذّبهم في الدنيا بمطر السوء، وكان تاريخهم مضرب الأمثال، قال الله تعالى واصفا حال قوم لوط ودعوة رسولهم إليهم:


{وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)} [النّمل: 27/ 54- 58].
والمعنى: واذكر أيها الرسول النّبي لوطا عليه السّلام، وقصته أو دعوته الإصلاحية، حين أنذر قومه نقمة الله عليهم، بإتيانهم الفاحشة العظيمة، قائلا لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ: {أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}؟! أي أترتكبون فاحشة اللواط، وأنتم تبصرون بقلوبكم أنها خطيئة وفاحشة، وتعلمون قبحها وسوءها.
كيف تقدمون على إتيان الرجال من دون النّساء؟ فهذا شذوذ مفرط، ونكسة في الطبع، وترك للأفضل والأكرم والأولى، ولكنكم في الواقع قوم تجهلون عاقبة هذا الأمر الشنيع، ولا تميزون بين الحسن والقبح، وتؤثرون الرذيلة على الفضيلة، وتتركون المباح من النساء، كما في قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166)} [الشّعراء: 26/ 165- 166]. أي معتدون متجاوزون الحدود.
لقد أعرض قوم لوط عن دعوته، ولم يسمعوا نصحه وتحذيره، ولم يكن جوابهم إلا الإصرار على ممارسة الفاحشة المنكرة، وأجابوه بعد التشاور فيما بينهم:
أخرجوا لوطا وأهله من بلدنا، فإنهم لا يصلحون للعيش معنا، إنهم يتحرّجون من أفعالنا، ويترفعون عن صنعنا، ويتنزهون عن أعمالنا. إنهم بهذا تركوا طريق الحجة والمنطق وإيثار السلام، وأخذوا سبيل المغالبة والمعاندة، فتآمروا بإخراجه وإخراج من آمن معه من بلدهم، ثم ذمّوهم وتهكّموا عليهم بمدحة: وهي التّطهّر من هذه الدّناءة التي هم أدمنوا عليها.
فكان من عدل الله ورحمته تدمير الظالمين، وإنجاء المؤمنين الصالحين، وهذا ما أفادته الآيات الآتية:
لقد أنجينا لوطا ومن آمن معه برسالته من أهله لإقرارهم بتوحيد الله تعالى، وطاعته، والاستقامة على أمره، واجتناب محظوراته ونواهيه. لكن امرأة لوط {قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ} أي جعلناها وحصلناها من الباقين في العذاب، لأن من رضي بالمنكر، وإن لم يفعله، فهو مقرّ به، فله جزاء الفاعلين المنغمسين في الإثم والمنكر.
وأنزلنا على قوم لوط حجارة من سجّيل من جهنم، وهو الحاصب، فأهلكت جميعهم، وأبادتهم وخسفت الأرض بهم، فبئس المطر مطر المنذرين بالعذاب، الذين قامت عليهم الحجة، ووصلهم الإنذار الإلهي، فخالفوا الرسول وكذّبوه، وهموا بإخراجه من قريتهم، وتلك هي عاقبة القوم الظالمين الفاسقين.
وهذه الآية أصل لمن جعل من الفقهاء الرّجم في اللوطية، لأن الله تعالى عذّب قوم لوط على كفرهم به، وأرسل عليهم الحجارة لمعصيتهم وتعاطيهم الفاحشة، ويؤيد ذلك قول النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن اللائط وشريكه: «اقتلوا الفاعل والمفعول به» (أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد).
إن التّخلص من وباء اللواط وفاعليه ضرورة صحية واجتماعية، لأن هذا الوباء يؤدي إلى فقد المناعة (الإيدز) وإلى الموت والهلاك.
إثبات الواحدانية والقدرة الإلهيّة:
لم يعتبر الوثنيون المشركون بأصناف العذاب النازلة بمن كذبوا الرّسل، ولم يستجيبوا لدعوة الحقّ والتوحيد، والنداء الإلهي لتصحيح العقيدة، والتّخلص من الوثنية، ولقد أدى رسل الله الكرام أقصى ما في وسعهم من أداء الواجب، فاستحقّوا من النّبي محمد خاتم النّبيّين أن يحمد الله تعالى على تلك النعمة، والسلام على الأنبياء المجاهدين قاطبة، لأدائهم أمانة التبليغ لرسالة ربّهم على أكمل وجه. ومع هذا الإنذار بالتّعرض لعذاب مماثل لعذاب الأمم المتقدمة، أقام الحق تعالى البراهين القاطعة على وحدانيته وعظمة قدرته في السماء والأرض، ومن خلال خلق المخلوقات المختلفة الدّالة بوضعها على حاجة الخلق إلى الله تعالى، قال الله عزّ وجلّ مدلّلا على هذه القضايا:


{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64)} [النّمل: 27/ 59- 64].
يأمر الله رسوله محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعلن حمده لله تعالى وشكره على نعمه المختلفة، وعلى صفاته العليا وأسمائه الحسنى، وأن يسلّم على عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم لتبليغ رسالته.
هل الله المتصف بالقدرة والعظمة والإنعام خير أمّا يشركون به من الأصنام؟
وهذا استفهام إنكاري على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى. والمقصود به:
التنبيه على إغراقهم في الضلال والجهل.
ثم أورد الله تعالى عددا من الأدلة الكونية على وحدانيته وقدرته على كل شيء، وهذه الأدلة:
1- أعبادة الأوثان والأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع خير، أم عبادة الذي خلق السماوات في ارتفاعها وعظمتها وجمالها، وأنزل من السماء أو السحاب مطرا، فأنبت به الحدائق الغنّاء، ذات الجمال الباهر، ليس لديكم القدرة على إنبات شجرها وإخراج ثمرها، فهو الله المتفرّد بالخلق والرّزق، فهل يصح بعدئذ وجود إله مع الله يعبد؟ إنهم قوم ينحرفون عن الحق والصواب إلى الباطل والخطأ، حين يجعلون مع الله إلها آخر نظيرا له وشريكا. والحدائق: مجتمع الأشجار من العنب والنخيل وغير ذلك. والبهجة: الجمال والنّضرة.
2- أعبادة الأوثان والأصنام العديمة النفع والضرر خير، أم عبادة الإله الذي جعل الأرض مستقرّا للإنسان وغيره، لا تتحرك بأهلها، وجعل فيها جبالا ثوابت شامخة، لتثبيت الأرض حتى لا تتحرك، وجعل بين المياه العذبة والملحة حاجزا، أي مانعا يمنعها من الاختلاط، لئلا يفسد هذا بذاك، وتبقى التفرقة بينهما قائمة. هل يوجد مع الله إله آخر أبدع الكائنات؟ بل في الواقع أكثر هؤلاء المشركين لا يدركون الحق والصواب فيتبعونه.
3- إن الله الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويدفع عنه الضرر ويرفع عنه السوء من فقر أو مرض أو خوف ونحو ذلك إذا لجأ إليه، ويجعل الناس خلفاء الأرض وورثتها، يخلف بعضهم بعضا في جلب المنافع، وسكنى الديار، وزراعة الأرض، والتصرف بالمملوكات، هل مع الله إله آخر، يقدر مثله على ذلك؟ ولكن ما أقل تذكّر الناس نعم الله عليهم، وإرشادهم إلى الحق والطريق القويم.
4- إن الله تعالى هو الهادي إلى الحق والخير، يدلّ الناس على مواضع غاياتهم، في ظلمات البر والبحر، ويتناقلون ذلك بالتعليم، ويرسل الرياح القوية تبشّر بنزول الأمطار، وتمهّد للتعرف على رحمة الله، هل مع الله إله آخر، يفعل مثل فعله، تنزه الله عما يشركون من عبادة أشياء أخرى مع الله الواحد الأحد المستحق وحده للعبادة؟
علم الغيب:
إن أفق الإنسان محدود، وعقله مقصور على معرفة أشياء معينة، فهو لا يعلم المستقبل، ولا يستطيع أن يتنبأ نبوءة جازمة عن أمور غيبية مستقبلية، وإنما يتوقع ويخطط، ويدع التنفيذ وإصابة الهدف لله عزّ وجلّ، لذا كان لابد له بعد اتّخاذ الأسباب المرعية والقيام بالواجب من التوكل على الله، أي تفويض الأمر وتنفيذه لله تعالى، فالزارع يبذر الحبّ في الأرض، ويكل أمر النبات لله سبحانه، والتاجر يخاطر في البيع والشراء، ويترك أمر تحقيق الربح لله ربّه، والطالب يجتهد ويكدّ ذهنه، ويدع النتائج والنجاح لله سبحانه، والعامل يبذل ما في وسعه، ثم يفوّض الأمر في سلامة عمله وستره لله المدبّر، وهكذا الناس كلهم قاصرون محتاجون في الاطّلاع على أمور المستقبل إلى الله تعالى، قال الله عزّ وجلّ مبيّنا حصر علم الغيب بذاته العليّة:

1 | 2 | 3 | 4 | 5